فصل: كتاب اللقيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب اللقيط

يقال للصبي الملقى الضائع لقيط وملقوط ومنبوذ وفيه بابان‏.‏

 الباب الأول في أركان الالتقاط الشرعي وأحكامه

أما الأركان فثلاثة‏.‏

أحدها نفس الالتقاط وهو فرض كفاية ومن أخذ لقيطاً لزمه الأشهاد عليه على المذهب لئلا يضيع نسبه وقيل في وجوبه قولان أو وجهان كاللقطة وقيل إن كان ظاهر العدالة لم يلزمه وإن كان مستورها لزمه فإن أوجبنا الأشهاد فتركه قال في الوسيط لا تثبت ولاية الحضانة ويجوز الانتزاع وهذا يشعر باختصاص الأشهاد الواجب بابتداء الالتقاط وإذا أشهد فليشهد على اللقيط وما معه نص عليه‏.‏

الركن الثاني اللقيط وهو كل صبي ضائع لا كافل له فيخرج بقيد الصبي البالغ لأنه مستغن عن الحضانة والتعهد فلا معنى للالتقاط لكن لو وقع في معرض هلاك أعين ليتخلص وفي الصبي الذي بلغ سن التمييز تردد للإمام والأوفق لكلام الأصحاب أنه يلتقط لحاجته إلى التعهد والمراد بالضائع المنبوذ وأما غير المنبوذ فإن لم يكن له أب ولا جد ولا وصي فحفظه من وظيفة القاضي فيسلمه إلى من يقوم به لأنه كان له كافل معلوم فإذا فقد قام القاضي مقامه وقولنا لا كافل له المراد بالكافل الأب والجد ومن يقوم مقامهما والملتقط ممن هو في حضانة أحد هؤلاء لا معنى لالتقاطه إلا أنه لو حصل في مضيعة أخذ ليرد إلى حاضنه‏.‏

قلت معناه يجب أخذه لرده إلى حاضنه والله أعلم‏.‏

الركن الثالث الملتقط ويشترط فيه أمور‏.‏

أحدها التكليف فلا يصح التقاط الصبي والمجنون‏.‏

الثاني الحرية فالعبد إذا التقط ينتزع منه إن لم يأذن سيده وإن أذن أو علم به فأقره في يده جاز وكان السيد هو الملتقط وهو نائبه في الأخذ والتربية والمكاتب إذا التقط بغير إذن السيد انتزع منه أيضاً وإن التقط بإذنه ففيه الخلاف في تبرعاته بالإذن لكن المذهب الانتزاع لأن في الالتقاط ولاية وليس هو من أهلها فإن قال له السيد التقط لي صغيراً فالسيد هو الملتقط ومن بعضه حر إذا التقط في يومه هل يستحق كفالته وجهان حكاهما في المعتمد‏.‏

الثالث الإسلام فالكافر يلتقط الطفل الكافر دون المسلم لأنه أولى به وللمسلم التقاط الصبي المحكوم بكفره‏.‏

الرابع العدالة فليس للفاسق الالتقاط ولو التقط انتزع منه وأما من ظاهر حاله الأمانة إلا أنه لم يختبر فلا ينتزع من يده لكن يوكل القاضي به من يراقبه بحيث لا يعلم لئلا يتأذى فإذا وثق به صار كمعلوم العدالة وقبل ذلك لو أراد المسافرة به منع وانتزع منه لأنه لا يؤمن أن يسترقه‏.‏

الخامس الرشد فالمبذر المحجور عليه لا يقر اللقيط في يده‏.‏

فرع لا يشترط في الملتقط الذكورة قطعاً ولا الغنى وقيل لا يقر في يد الفقير والصحيح الأول‏.‏

M0ص إذا ازدحم اثنان على لقيط نظر إن ازدحما قبل الأخذ وطلب كل واحد أخذه وحضانته جعله الحاكم في يد من رآه منهما أو من غيرهما إذ لا حق لهما قبل الأخذ وإن ازدحما بعد الأخذ فإن لم يكن أحدهما أهلا للالتقاط سلم اللقيط إلى الآخر وإن كانا آهلين قدم أسبقهما بالالتقاط وهل يثبت السبق بالوقوف على رأسه بغير أخذ وجهان أصحهما لا وإن لم يسبق واحد منهما فقد يختص أحدهما بصفة تقدمه وقد يستويان والصفات المقدمة أربع‏.‏

إحداها الغنى فإذا كان أحدهما غنياً والآخر فقيراً فقيل يستويان والأصح تقديم الغني وعلى هذا لو تفاوتا في الغنى فهل يقدم أكثرهما مالا وجهان‏.‏

قلت الأصح لا يقدم والله أعلم‏.‏

الثانية البلد فلو كان أحدهما بلدياً والآخر قروياً أو بدوياً ففيه كلام نذكره إن شاء الله تعالى في فصل الأحكام‏.‏

الثالثة من ظهرت عدالته بالاختبار يقدم على المستور على الأصح‏.‏

الرابعة الحر أولى من المكاتب وإن التقط بإذن سيده ولو كان أحدهما عبداً التقط بإذن سيده فالاعتبار بالسيد والآخر ولا تقدم المرأة على الرجل بخلاف الأم في الحضانة لأن شفقتها أكمل ويتساوى المسلم والذمي في اللقيط المحكوم بكفره وقيل يقدم المسلم وقيل الذمي والأول أصح وإذا استويا في الصفات وتشاحا أقرع بينهما على الصحيح المنصوص وقول الجمهور وقال ابن قال الأصحاب ولا يخير الصبي بينهما وإن كان ابن سبع سنين فأكثر بخلاف تخييره بين الأبوين لأن هناك يعول على الميل بسبب الولادة وقال الإمام يحتمل أن يخير ويقدم اختياره على القرعة وإذا خرجت القرعة لأحدهما فترك حقه للآخر لم يجز كما ليس للمنفرد نقل حقه إلى غيره‏.‏

ولو ترك حقه قبل القرعة فوجهان أصحهما ينفرد به الآخر كالشفيعين والثاني لا بل يرفع إلى الحاكم حتى يقره في يد الآخر إن رآه وله أن يختار أميناً آخر فيقرع بينه وبين الآخر وقال الإمام تفريعاً على الثاني إن التارك لا يتركه الحاكم بل يقرع بينه وبين صاحبه فإن خرج عليه ألزمه القيام بحضانته بناء على أن المنفرد إذا شرع في الالتقاط لا يجوز له الترك وسيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

 فصل أحكام الالتقاط

وأما أحكام الالتقاط‏.‏

فمنها أن الذي يلزم الملتقط حفظ اللقيط ورعايته فأما نفقته فلا تلزمه وسيأتي بيان محلها إن شاء الله تعالى فإن عجز عن الحفظ لأمر عرض سلمه إلى القاضي وإن تبرم به مع القدرة فوجهان بناء على أن الشروع في فرض الكفاية هل يلزم الإتمام ويصير الشارع متعيناً وموضع ذكره كتاب السير والأصح هنا أن له التسليم إلى القاضي واختاره ابن كج ولا خلاف أنه يحرم عليه نبذه ورده إلى ما كان واعلم أنهم يستعملون في هذا الباب لفظ الحضانة والمراد منه الحفظ والتربية لا الأعمال المفصلة في الإجارة لان فيها مشقة ومؤنة كثيرة فكيف تلزم من لا تلزمه النفقة وقد أوضحه البغوي فقال نفقة اللقيط وحضانته في ماله إن كان له مال ووظيفة الملتقط حفظه وحفظ ماله‏.‏

فرع الملتقط البلدي إذا وجد لقيطاً في بلدته أقر في يده وليس له نقله إلى البادية ولو أراد الانتقال إليها بل ينتزع منه لمعنيين أحدهما أن عيش البادية خشن ويفوته العلم بالدين والصنعة والثاني تعريض نسبه للضياع فلو كان الموضع المنتقل إليه من البادية في بياض البلدة يسهل عليه تحصيل ما يراد منها فعلى المعنى الأول ل يمنع وعلى الثاني إن كان أهل البلد يختلطون بهم فكذلك وإلا منع وكما ليس له نقله إلى البادية فليس له نقله إلى قرية ولو أراد نقله إلى بلدة أخرى أو التقطه غريب في تلك البلدة وأراد نقله إلى بلدته فعلى المعنى الأول لا يمنع وعلى الثاني يمنع وينتزع اللقيط منه والأول هو المنصوص وبه قال الجمهور قال المتولي ولا فرق بين سفر النقلة والتجارة والزيارة ولو وجد القروي لقيطاً في قريته أو قرية أخرى أو في بلدة يقاس بما ذكرناه في البلدي ولو وجد الحضري اللقيط في بادية نظر إن كان في مهلكة فلا بد من نقله وللملتقط أن يذهب به إلى مقصده ومن قال في اللقطة يعرفها في أقرب البلاد يشبه أن يقول لا يذهب به إلى مقصده رعاية للنسب وإن كان في حلة أو قبيلة فله نقله إلى البلدة والقرية على المذهب وبه قطع الجمهور وعن القاضي حسين أنه على وجهين بناء على المعنيين ولو أقام هناك أقر في يده قطعاً أما البدوي فإذا التقط في قرية أو بلدة وأراد المقام بها أقر في يده وإن أراد نقله إلى البادية أو قرية أو بلدة أخرى فعلى ما ذكرناه في الحضري وإن وجده في حلة أو قبيلة في البادية فإن كان من أهل حلة مقيمين في موضع راتب أقر في يده وإن كان ممن ينتقلون من موضع إلى موضع منتجعين ففي منعه وجهان‏.‏

قلت أصحهما لا منع والله أعلم‏.‏

فرع لو ازدحم على لقيط في البلدة أو القرية مقيم بها وظاعن قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر المقيم أولى قال الأصحاب إن كان الظاعن يظعن إلى البادية أو إلى بلدة أخرى وقلنا ليس للمنفرد الخروج به إلى بلدة فالمقيم أولى وإن جوزناه له ذلك فهما سواء ولو اجتمع على لقيط في القرية قروي مقيم بها وبلدي قال ابن كج القروي أولى وهذا يخرج على منع النقل من بلد إلى بلد فإن جوزنا وجب أن يقال هما سواء‏.‏

قلت المختار الجزم بتقديم القروي مطلقاً كما قاله ابن كج وإنما نجوز النقل إذا لم يعارضه معارض والله أعلم‏.‏

ولو اجتمع حضري وبدوي على لقيط في البادية نظر إن وجد في حلة أو قبيلة والبدوي في موضع راتب فهما سواء وقال ابن كج البدوي أولى إن كان مقيماً فيهم وإن كان منتجعاً فإن قلنا يقر في يده لو كان منفرداً فهما سواء وإلا فالحضري أولى وقياس قوله تقديم البدوي أو من كان مكانه أقرب إلى موضع الالتقاط أقرب‏.‏

فرع اللقيط قد يكون له مال يستحقه بكونه لقيطاً أو بغيره فلأول كالوقف على اللقطاء والوصية لهم والثاني كالوصية لهذا اللقيط والهبة له والوقف عليه ويقبل له القاضي من هذا ما يحتاج إلى القبول ومن الأموال التي يستحقها ما يوجد تحت يده واختصاصه فإن للصغير يداً واختصاصاً كالبالغ والأصل الحرية ما لم يعرف غيرها وذلك كثيابه التي هو لابسها والمفروشة تحته والملفوفة عليه وما غطي به من لحاف وغيره وما شد عليه وعلى ثوبه أو جعل في جيبه من حلي ودراهم وغيرها وكذا الدابة التي عنانها بيده أو هي مشدودة في وسطه أو ثيابه والمهد الذي هو فيه وكذا الدنانير المنثورة فوقه والمصبوبة تحته وتحت فراشه وفي التي تحته وجه ضعيف ولو كان في خيمة أو دار ليس فيهما قلت وطرد صاحب المستظهري الوجهين في الضيعة وهو بعيد وينبغي القطع بأنه لا يحكم له بها والله أعلم‏.‏

ولو كان بقربه ثياب وأمتعة موضوعة أو دابة فوجهان أصحهما لا تجعل له كما لو كانت بعيدة والثاني بلى لأن هذا يثبت اليد والاختصاص ألا ترى أن الأمتعة الموضوعة في السوق بقرب الشخص تجعل له والمال المدفون تحت اللقيط لا يجعل له لأنه لا يقصد بالدفن الضم إلى الطفل بخلاف ما يلف عليه ويوضع بقربه فلو وجدت معه أو في ثيابه رقعة مكتوب فيها إن تحته دفيناً له فوجهان أصحهما عند الغزالي أنه له بقرينة المكتوب والثاني لا أثر للرقعة وهو الموافق لكلام الأكثرين قال الإمام ومن عول على الرقعة ليت شعري ما يقول لو أرشدت الرقعة إلى دفين بالعبد منه أو دابة مربوطة بالبعد منه‏.‏

قلت مقتضاه أن نجعله للقيط فإن الاعتماد إنما هو على الرقعة لا على كونه تحته والله أعلم‏.‏

ولو كانت دابة مشدودة باللقيط وعليها راكب قال ابن كج هي بينهما ثم إن ما سوى الدفين من هذه الأموال إذا لم يجعل للقيط فهو لقطة والدفين قد يكون لقطة وقد يكون ركازاً كما سبق‏.‏

فرع إذا عرف للقيط مال فنفقته في ماله فإن لم يعرف فقولان أظهرهما ينفق عليه الإمام من بيت المال من سهم المصالح والثاني يستقرض له الإمام من بيت المال أو بعض الناس فإن لم يكن في بيت المال شيء ولم يقرضه أحد جمع الإمام أهل الثروة من البلد وقسط عليهم نفقته وجعل نفسه منهم ثم إن بان رقيقاً رجعوا على سيده وإن بان حراً أو له مال أو قريب فالرجوع عليه وإن بان حراً لا قريب له ولا مال ولا كسب قضى الإمام حقهم من سهم الفقراء أو المساكين أو الغارمين كما يراه‏.‏

قلت اعتباره القريب غريب قل من ذكره وهو ضعيف فإن نفقته القريب تسقط بمضي الزمان والله أعلم‏.‏

أما إذا قلنا بالأظهر إنه ينفق من بيت المال فان لم يكن فيه مال أو كان هناك ما هو أهم كسد ثغر يعظم ضرره لو ترك قام المسلمون بكفايته ولم يجز لهم تضييعه ثم هل طريقه طريق النفقة أم طريق القرض قولان أظهرهما والذي يقتضي كلام العراقيين وغيرهم ترجيحه أنه طريق القرض فإن قلنا طريق النفقة فقام به بعضهم اندفع الحرج عن الباقين وإن امتنعوا أثموا كلهم وطالبهم الإمام فإن أصروا قاتلهم وعند التعذر يقترض على بيت المال وينفق عليه وإن قلنا طريق القرض يثبت الرجوع وعلى هذا إن تيسر الاقتراض فذاك وإلا قسط الإمام نفقته على الموسرين من أهل البلد ثم إن ظهر عبداً فالرجوع على سيده وإن ظهر له مال أو اكتسب فالرجوع عليه فإن لم يكن له شيء قضي من سهم المساكين أو الغارمين وإن حصل في بيت المال مال قبل بلوغه ويساره قضي منه وإن حصل في بيت المال أو حصل للقيط مال دفعة واحدة قضي من مال اللقيط كما لو كان له مال وفي بيت المال مال ولم يتعرض الأصحاب لطرد الخلاف في أنه إنفاق أو إقراض إذا كان في بيت المال مال وقلنا نفقته منه والقياس طرده

قلت ظاهر كلامهم أنه إنفاق فلا رجوع لبيت المال قطعاً وهذا هو المختار الظاهر والله أعلم‏.‏

وحيث قلنا يقسطها الإمام على الأغنياء فذاك عند إمكان الاستيعاب فإن كثروا أو تعذر التوزيع عليهم قال الإمام يضربها السلطان على من يراه منهم باجتهاده فإن استووا في اجتهاد تخير والمراد أغنياء تلك البلدة أو القرية‏.‏

 فصل إذا كان للقيط مال

هل يستقل الملتقط بحفظه وجهان أحدهما لا بل يحتاج إلى إذن القاضي إذ لا ولاية للملتقط وأرجحهما على ما يقتضيه كلام البغوي الاستقلال‏.‏

قلت رجح الإمام الرافعي أيضاً في المحرر هذا الثاني والله أعلم‏.‏

ولو ظهر منازع في المال المخصوص باللقيط فليس للملتقط مخاصمته على الأصح وسواء قلنا له الاستقلال بالحفظ أم لا فليس له إنفاقه على اللقيط إلا بإذن القاضي إذا أمكن مراجعته فإن أنفق ضمن ولم يكن له الرجوع على اللقيط كمن في يده مال وديعة ليتيم أنفقها عليه وحكى ابن كج وجهاً أنه لا يضمن وهو شاذ وإذا رفع الأمر إلى الحاكم فليأخذ المال منه ويسلمه إلى أمين لينفق منه على اللقيط بالمعروف أو يصرفه إلى الملتقط يوماً يوماً ثم إن خالف الأمين وقتر عليه منع منه وإن أسرف ضمن كل واحد من الأمين والملتقط الزيادة والقرار على الملتقط إن كان سلم إليه لحصول الهلاك في يده وهل يجوز أن يترك المال في يد الملتقط ويأذن له في الإنفاق منه تقدم عليه مسألة وهي أنه إذا لم يكن للقيط مال واحتيج إلى الاقتراض له هل يجوز للقاضي أن يأذن للملتقط في الإنفاق عليه من مال نفسه ليرجع نص أنه يجوز ونص في الضالة أنه لا يأذن لواجدها في الإنفاق من مال نفسه ليرجع على صاحبها بل يأخذ المال منه ويدفعه إلى أمين ثم الأمين يدفع إليه كل يوم قدر الحاجة فقال جمهور الأصحاب المسألتان على قولين أحدهما المنع فيهما وأظهرهما عند الشيخ أبي حامد الجواز فيهما للحاجة لكثرة المشقة ويلحق الأمين بالأب في ذلك وسبق مثل هذا الخلاف في إنفاق المالك عند هرب عامل المساقاة والجمال وأجراه أبو الفرج السرخسي في إنفاق قيم الطفل من مال نفسه وقالت طائفة بظاهر النصين وفرقوا بأن اللقيط لأولي له في الظاهر رجعنا إلى إذن الحاكم للملتقط في الإنفاق من مال اللقيط فالأكثرون طردوا الطريقين في جوازه والأحسن ما أشار إليه ابن الصباغ وهو القطع بالجواز كقيم اليتيم يأذن له القاضي في الإنفاق من ماله عليه وينبغي أن يجري هذا الخلاف في تسليم ما اقترضه القاضي على الجمال الهارب إلى المستأجر ولا ذكر له هناك وإذا جوزناه فبلغ اللقيط واختلفا فيما أنفق فالقول قول الملتقط إذا ادعى قدر الإيفاء في الحال وقد سبق في هرب الجمال وجه أن القول قول الجمال والقياس طرده هنا وإن ادعى زيادة على اللائق فهو مقر بتفريطه فيضمن ولا معنى للتحليف قال الإمام لكن لو وقع النزاع في عين فزعم الملتقط أنه أنفقها فيصدق لتنقطع المطالبة بالعين ثم يضمن كالغاصب إذا ادعى التلف هذا كله إذا أمكن مراجعة القاضي فإن لم يكن هناك قاض فهل ينفق من مال اللقيط عليه بنفسه أم يدفعه إلى أمين لينفق عليه قولان أظهرهما الأول فعلى هذا إن أشهد لم يضمن على الصحيح وإلا ضمن على الأصح‏.‏

 الباب الثاني في أحكام اللقيط هي أربعة

الأول الإسلام وإسلام الشخص قد يثبت بنفسه استقلالا وقد يثبت تبعاً أما القسم الأول فالبالغ العاقل يصح منه مباشرة الإسلام بالنطق إن كان ناطقاً وبالإشارة إن كان أخرس‏.‏

وأما المجنون والصبي الذي لا يميز فلا يصح إسلامهما مباشرة بلا خلاف ولا يحكم بإسلامهما فإن بلغ واستمر على كلمة الإسلام تبينا كونه مسلماً من يومئذ وإن وصف الكفر تبينا أنه كان لغواً وقد يعبر عن هذا بصحة إسلامه ظاهراً لا باطناً والثالث يصح إسلامه حتى يفرق بينه وبين زوجته الكافرة ويورث من قريبه المسلم قاله الاصطخري وعلى هذا لو ارتد صحت ردته لكن لا يقتل حتى يبلغ فإن تاب وإلا قتل‏.‏

قلت الحكم بصحة الردة بعيد بل غلط والله أعلم‏.‏

فإذا قلنا بالصحيح فقد قال الشافعي رضي الله عنه يحال بينه وبين أبويه وأهله الكفار لئلا يفتنوه فإن بلغ ووصف الكفر هدد وطولب بالإسلام فإن أصر رد إليهم وهل هذه الحيلولة مستحبة أم واجبة وجهان أصحهما مستحبة فليتلطف بوالديه ليؤخذ منهما فإن أبيا فلا حيلولة هذا في أحكام الدنيا‏.‏

فأما ما يتعلق بالآخرة فقال الأستاذ أبو إسحاق إذا أضمر الإسلام كما أظهره كان من الفائزين بالجنة ويعبر عن هذا بصحة إسلامه باطناً لا ظاهراً قال الإمام في هذا إشكال لأن من يحكم له بالفوز لإسلامه كيف لا يحكم بإسلامه ويجاب عنه بأنه قد يحكم بالفوز في الآخرة وإن لم يحكم بأحكام الإسلام في الدنيا كمن لم تبلغه الدعوة‏.‏

إحداها إسلام الأبوين أو أحدهما ويتصور ذلك من وجهين أحدهما أن يكون الأبوان أو أحدهما مسلماً يوم العلوق فيحكم بإسلام الولد لأنه جزء من مسلم فإن بلغ ووصف الكفر فهو مرتد والثاني أن يكونا كافرين يوم العلوق ثم يسلما أو أحدهما فيحكم بإسلام الولد في الحال قال الإمام وسواء اتفق الإسلام في حال اجتنان الولد أو بعد انفصاله وسنذكر إن شاء الله تعالى ما يفترق فيه هذان الوجهان بإسلامه وفي معنى الأبوين الأجداد والجدات سواء كانوا وارثين أم لم يكونوا فإذا أسلم الجد أبو الأب أو أبو الأم تبعه الصبي إن لم يكن الأب حياً قطعاً وكذا إن كان على الأصح ثم إذا بلغ هذا الصبي فإن أفصح بالإسلام تأكد ما حكمنا به وإن أفصح بالكفر فقولان المشهور أنه مرتد لأنه سبق الحكم بإسلامه جزماً فأشبه من باشر الإسلام ثم ارتد وما إذا حصل العلوق في حال الإسلام والثاني أنه كافر أصلي لأنه كان محكوماً بكفره أولا وأزيل تبعاً فإذا استقل زالت التبعية ويقال إن هذا القول مخرج ومنهم من لم يثبته وقطع بالأول فإن حكمنا بكونه مرتداً لم ينقص شيئاً مما أقضيناه من أحكام الإسلام وإن حكمنا بأنه كافر أصلي فوجهان أحدهما إمضاؤها بحالها لجريانه في حال التبعية وأصحهما أنا نتبين بطلانها ونستدرك ما يمكن استدراكه حتى يرد ما أخذه من تركه قريبة المسلم ويأخذ من تركه قريبه الكافر ما حرمناه منه ونحكم بأن إعتاقه عن الكفارة لم يقع مجزئاً هذا فيما جرى في الصغر فأما إذا بلغ ومات له قريب مسلم قبل أن يفصح بشيء أو أعتق عن الكفارة في هذا الحال فإن قلنا لو أفصح بالكفر كان مرتداً أمضينا أحكام الإسلام ولا تنقض وإن جعلناه كافراً أصلياً فإن أفصح بالكفر تبينا أنه لا إرث ولا إجزاء عن الكفارة وإن فات الإفصاح بموت أو قتل فوجهان أحدهما إمضاء أحكام الإسلام كما لو مات في الصغر وأصحهما نتبين الانتقاض لأن سبب التعبية الصغر وقد زال ولم يظهر في الحال حكمه في نفسه فيرد الأمر إلى الكفر الأصلي وعن القاضي حسين أنه إن مات قبل الإفصاح وبعد البلوغ ورثه قريبه المسلم ولو مات له قريب مسلم فإرثه عنه موقوف قال الإمام أما التوريث منه فيخرج على أنه لو مات قبل الإفصاح هل ينقض الحكم وأما توريثه فإن أراد بالتوقف أنه يقال لو أفصح بالإسلام فهو قريب ويستفاد به الخروج من الخلاف أما لو مات القريب ثم مات هو وفات الإفصاح فلا سبيل إلى الفرق بين توريثه والتوريث عنه ولو قتل بعد البلوغ وقبل الإفصاح ففي تعلق القصاص بقتله قولان أحدهما نعم كما لو قتل قبل البلوغ وأظهرهما لا للشبهة وانقطاع التبعية وأما الدية فالذي أطلقوه وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه تعلق الدية الكاملة بقتله وقياس قولنا إنه لو أفصح بالكفر كان كافراً أصلياً أن لا نوجب الدية الكاملة على رأي كما أنه إذا فات الإفصاح بالموت يرد الميراث على رأي‏.‏

قلت الصواب ما قاله الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم والله أعلم‏.‏

حكمه حكم الصغير حتى إذا أسلم أحد والديه تبعه وإن بلغ عاقلا ثم جن فكذلك على الأصح‏.‏

الجهة الثانية تبعية السابي فإذا سبى المسلم طفلا منفرداً عن أبويه حكم بإسلامه لأنه صار تحت ولايته كالأبوين‏.‏

قلت هذا الذي جزم به هو الصواب المقطوع به في كتب المذهب وشذ صاحب المهذب فذكر في كتاب السير في الحكم بإسلامه وجهين وزعم أن ظاهر المذهب أنه لا يحكم به وليس بشيء وإنما ذكرته تنبيهاً على ضعفه لئلا يغتر به والله أعلم‏.‏

فلو سباه ذمي فوجهان أحدهما يحكم بإسلامه لأنه من أهل دار الإسلام وأصحهما لا لأن كونه من أهل الدار لم يؤثر فيه ولا في أولاده فغيره أولى فعلى هذا لو باعه الذمي لمسلم لم يحكم بإسلامه‏.‏

ولو سبي ومعه أحد أبويه لم يحكم بإسلامه قطعاً فلو كانا معه ثم ماتا لم يحكم بإسلامه أيضاً لأن التعبية إنما تثبت في ابتداء السبي‏.‏

قلت معنى سبي معه أحد أبويه أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة ولا يشترط كونها في ملك رجل قال البغوي في كتاب الظهار إذا سباه مسلم وسبى أبويه غيره إن كان في عسكر فرع حكم الصبي المحكوم بإسلامه تبعاً للسابي إذ بلغ حكم المحكوم بإسلامه تبعاً لأبويه إذا بلغ

فرع المحكوم بإسلامه تبعاً لأبيه أو للسابي إذا وصف الكفر فإن جعلناه كافراً أصلياً ألحقناه بدار الحرب فإن كان كفره مما يقر عليه بالجزية قررناه برضاه وإن وصف كفراً غير ما كان موصوفاً به فهو انتقال من ملة إلى ملة وفيه تفصيل وخلاف مذكور في كتاب النكاح‏.‏

وأما تجهيزه والصلاة غلته ودفنه في مقابر المسلمين إذ فات بعد البلوغ وقبل الإفصاح فيتفرع على القولين في أنه لو أفصح بالكفر كان كافراً أصلياً أو مرتداً ورأى الإمام أن يتساهل في ذلك ويقام فيه شعار الإسلام‏.‏

قلت الذي رآه الإمام هو المختار أو الصواب لأن هذه الأمور مبنية على الظواهر وظاهره الإسلام والله أعلم‏.‏

الجهة الثالثة تبعية الدار فاللقيط يوجد في دار الإسلام أو دار الكفر‏.‏

الحال الأول دار الإسلام وهي ثلاثة أضرب‏.‏

أحدها دار يسكنها المسلمون فاللقيط الموجود فيها مسلم وإن كان فيها أهل ذمة تغليباً الثاني دار فتحها المسلمون وأقروها في يد الكفار بجزية فقد ملكوها أو صالحوهم ولم يملكوها فاللقيط فيها مسلم إن كان فيها مسلم واحد فأكثر وإلا فكافر على الصحيح وقيل مسلم لاحتمال أنه ولد من يكتم إسلامه منهم‏.‏

الثالث دار كان المسلمون يسكنونها ثم جلوا عنها وغلب عليها الكفار فإن لم يكن فيها من يعرف بالإسلام فهو كافر على الصحيح وقال أبو إسحاق مسلم لاحتمال أن فيها كاتم إسلامه وإن كان فيها معروف بالإسلام فهو مسلم وفيه احتمال للإمام‏.‏

وأما عد الأصحاب الضرب الثالث دار إسلام فقد يوجد في كلامهم ما يقتضي أن الاستيلاء القديم يكفي لاستمرار الحكم ورأيت لبعض المتأخرين تنزيل ما ذكروه على ما إذا كانوا لا يمنعون المسلمين منها فإن منعوهم فهي دار كفر‏.‏

الحال الثاني دار الكفر فإن لم يكن فيها مسلم فاللقيط الموجود فيها محكوم بكفره وإن كان فيها تجار مسلمون ساكنون فهل يحكم بكفره تبعاً للدار أو بإسلامه تغليباً للإسلام وجهان أصحهما الثاني ويجريان فيما لو كان فيها أسارى ورأى الإمام ترتيب الخلاف فيهم على التجار لأنهم مقهورون قال ويشبه أن يكون الخلاف في قوم ينتشرون إلا أنهم ممنوعون من الخروج من البلدة فأما المحبوسون في المطامير فيتجه أن لا يكون لهم أثر كما لا أثر لطروق العابرين من المسلمين وحيث فرع الصبي المحكوم بإسلامه بالدار إذا بلغ وأفصح بالكفر فهو كافر أصلي على المذهب وقيل قولان كالمسلم تبعاً لأبويه أو السابي‏.‏

أحدهما أنه أصلي والثاني أنه مرتد فإذا قلنا أصلي فهل نتوقف في حال صباه في الأحكام التي يشترط لها الإسلام وجهان أصحهما لا بل نمضيها كالمحكوم بإسلامه تبعاً لأبيه والثاني نتوقف حتى يبلغ فيفصح بالإسلام فإن مات في صباه لم يحكم بشيء من أحكام الإسلام وهذا ضعيف‏.‏

فرع اللقيط الموجود في دار الإسلام لو ادعى ذمي نسبه وأقام عليه بينة لحقه وتبعه في الكفر وارتفع ما كنا نظنه وإن اقتصر على مجرد الدعوى فالمذهب أنه مسلم وهو المنصوص وبه قطع أبو إسحاق وغيره وصححه الأكثرون وقيل قولان ثانيهما يحكم بكفره لأنه يلحقه بالاستحقاق فإذا ثبت نسبه تبعه في الدين كما لو أقام البينة وحجة المذهب أنا حكمناه بإسلامه فلا نغيره بمجرد دعوى كافر وأيضاً فيجوز أن يكون ولده من مسلمة وحينئذ لا يتبع الدين النسب وعلى الطريقين يحال بينهما كما ذكرنا فيما إذا وصف المميز الإسلام ثم إذا بلغ ووصف الكفر فإن قلنا يتبعه فيه قرر لكنه يهدد ولعله يسلم وإلا ففي تقريره ما سبق من الخلاف‏.‏

سبق أن اللقيط المسلم ينفق عليه من بيت المال إذا لم يكن له مال فأما المحكوم بكفره فوجهان أصحهما كذلك إذ لا وجه لتضييعه‏.‏

الحكم الثاني جناية اللقيط والجناية عليه أما جنايته فإن كانت خطأ فموجبها في بيت المال ولا نخرج ذلك على الخلاف في التوقف كما لا نتوقف في صرف تركته إلى بيت المال وإن كانت عمداً نظر إن كان بالغاً فعليه القصاص بشرطه وإن جنى قبل البلوغ فإن قلنا عمد الصبي عمد وجبت الدية مغلظة في ماله فإن لم يكن له مال ففي ذمته إلى أن يجد وإن قلنا خطأ وجبت مخففة في بيت المال ولو أتلف مالا فالضمان عليه فإن كان اللقيط محكوماً بكفره فالتركة فيء ولا تكون جنايته في بيت المال‏.‏

وأما الجناية عليه فإن كانت خطأ نظر إن كانت على نفسه أخذت الدية ووضعت في بيت المال وقياس من قال بالتوقف في أحكامه أن لا يوجب الدية الكاملة ولم أره‏.‏

قلت الصواب الجزم بالدية الكاملة والله أعلم‏.‏

وإن كانت على طرفه فواجبها حق اللقيط يستوفيه القاضي ويعود فيه القياس المذكور وإن كانت عمداً فإن قتل وجب القصاص على الأظهر وقيل يجب قطعاً وهو نصه في المختصر لأنه مسلم معصوم وإن قتل بعد البلوغ والإفصاح بالإسلام وجب قطعاً وقيل على الخلاف لأن القصاص حق للمسلمين ولا يتصور رضى كلهم باستيفائه وإن قتل بعد البلوغ قبل الإفصاح فعلى الخلاف وقيل لا يجب قطعاً لقدرته على الإفصاح الواجب وإن كانت الجناية على الطرف وجب القصاص على المذهب وقيل قولان ثانيهما يتوقف فإن بلغ وأفصح تبينا وجوبه وإلا فعدمه وإن كان الجاني على النفس أو الطرف كافراً رقيقاً وجب على المذهب وقيل قولان لأنه حق للمسلمين ولا يتصور رضاهم‏.‏

فرع إذا أوجبنا له القصاص فقصاص النفس يستوفيه الإمام إن رآه مصلحة وإن رأى العدول إلى الدية عدل وليس له العفو مجاناً لأنه خلاف مصلحة المسلمين وأما قصاص الطرف فإن كان اللقيط بالغاً عاقلا فالاستيفاء إليه وإلا فليس للإمام استيفاؤه وقال القفال يجوز في المجنون لأنه ليس لإفاقته زمن معين وهذا ضعيف عند الأصحاب وأضعف وجه حكاه السرخسي في جواز الاقتصاص حيث يجوز له أخذ الأرش والمذهب المنع قطعاً وإذا لم يقتص فهل له أخذ أرش الجناية نظر إن كان المجني عليه مجنوناً فقيراً فله وإن كان صبياً غنياً فلا وإن كان مجنوناً غنياً أو صبياً فقيراً فالأصح المنع وحيث منعنا الأرش أو لم نر المصلحة فيه يحبس الجاني إلى البلوغ والإفاقة وإذا جوزناه فأخذه ثم بلغ الصبي أو أفاق المجنون وأراد أن يرده ويقتص ففي تمكنه وجهان شبيهان بما لو عفا الولي عن الشفعة للمصلحة فبلغ وأراد الأخذ وهما مبنيان على أن أخذ المال عفو كلي وإسقاط للقصاص أم سببه الحيلولة لتعذر الاستيفاء وقد يرجح الأول بأن الحيلولة إنما تكون إذا جاءت من قبل الجاني كاباق المغصوب‏.‏

قلت الراجح الأول والله أعلم‏.‏

وما ذكرناه في أخذ الأرش للقيط جار في كل طفل يليه أبوه أو جده بلا فرق وحكى الإمام عن شيخه أنه ليس للوصي أخذه قال وهذا حسن إن جعلناه إسقاطاً وإن قلنا للحيلولة فينبغي أن لا يجوز للوصي أيضاً‏.‏

الحكم الثالث نسب اللقيط وهو كسائر المجهولين فإذا استلحقه حر مسلم لحقه وقد سبق في كتاب الإقرار ما يشترط الاستلحاق ولا فرق في ذلك بين الملتقط وغيره لكن يستحب أن يقال للملتقط من أين هو لك فربما توهم أن الالتقاط يفيد النسب وإذا ألحق بغير الملتقط سلم إليه لأنه أحق من الأجنبي واستلحاق الكافر كاستلحاق المسلم في ثبوت النسب لاستوائهما في الجهات المثبتة للنسب وإن استلحقه عبد لحقه إن صدقه السيد وكذا إن كذبه على الأظهر وقيل لا يلحق قطعاً وقيل يلحق قطعاً إن كان مأذوناً له في النكاح ومضى زمان إمكانه وإلا فقولان والمذهب للحوق مطلقاً ويجري الخلاف في إقرار العبد بأخ أو عم وقيل بالمنع هنا قطعاً لأن لظهور نسبه طريقاً آخر وهو إقرار الأب أو الجد ويجري فيما لو استلحق حر عبد غيره وهو بالغ فصدقه لما فيه من قطع الإرث المتوهم بالولاء وقيل يثبت هنا قطعاً ويجري فيما لو استلحق المعتق غيره والمنع هنا أبعد لاستقلاله بالنكاح والتسري وإذا صححنا استلحاق العبد فلا يسلم إليه اللقيط لأنه لا يتفرغ لحضانته وتربيته ولا نفقة عليه إذ لا مال له‏.‏

فرع استلحقته امرأة وأقامت بينة لحقها ولحق زوجها إن أمكن العلوق منه ولا ينتفي عنه إلا بلعان هذا إذا قيدت البينة أنها ولدته على فراشه فإن لم تتعرض للفراش ففي ثبوت نسبه من الزوج وجهان‏.‏

قلت الأصح المنع والله أعلم‏.‏

وإن لم تقم بينة واقتصرت على الدعوى فهل يلحقها أم لا أم يلحق الخلية دون المزوجة فيه أوجه أصحها الثاني فإن ألحقنا ولها زوج لم يلحقه على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل وجهان وباللحوق قال ابن سلمة واستلحاق الأمة كالحرة إن جوزنا استلحاق العبد فإن أثبتناه لم يحكم برق الولد لمولاها على المذهب وبه قطع ابن الصباغ والمتولي وذكر البغوي فيه وجهين

ففيه صور‏.‏

إحداها ادعاه حر وعبد فإن قلنا يصح استلحاق العبد فهما سواء وإلا فيلحق بالحر‏.‏

الثانية ادعاه مسلم وكافر يستويان فيه‏.‏

الثالثة اختص أحدهما بيد نظر إن كان صاحب اليد هو الملتقط لم يقدم لأن اليد لا تدل على النسب بل إن استلحقاه معاً ولا بينة عرض معهما على القافة كما سنذكره إن شاء الله تعالى وإن استلحقه الملتقط أولا حكمنا بالنسب ثم ادعاه الآخر قال الشافعي رضي الله عنه يعرض الولد مع الثاني على القائف فإن نفاه عنه بقي لاحقا بالملتقط باستلحاقه وإن ألحقه بالثاني عرض مع الملتقط عليه فإن نفاه عنه فهو للثاني وإن ألحقه به أيضاً فقد تعذر العمل بقول القائف فيوقف وإن كان صاحب اليد غير الملتقط فإن كان استلحقه وحكم له بالنسب ثم جاء آخر وادعى نسبه لم يلتفت إليه وإن لم يسمع استلحاقه إلا بعدما جاء الثاني واستلحقه فهل يقدم صاحب اليد أم يستويان وجهان أصحهما الثاني‏.‏

الرابعة تساويا ولا بينة عرض الولد على القائف فبأيهما ألحقه لحق فإن لم يوجد قائف أو تحير أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما ترك حتى يبلغ فإذا بلغ أمر بالانتساب إلى أحدهما ولا ينسب بالتشهي بل يعول فيه على ميل الطبع الذي يجده الولد إلى الوالد إلى القريب والقريب بحكم الجبلة وقيل لا والصحيح اشتراطه‏.‏

والفرق أن الاختيار في الحضانة لا يلزم بل له الرجوع وهنا يلزم وعليهما النفقة مدة الانتظار فإذا انتسب إلى أحدهما رجع الآخر عليه بما أنفق ولو لم ينتسب إلى واحد منهما لفقد الميل بقي الأمر موقوفاً ولو انتسب إلى غيرهما وادعاه ذلك الغير ثبت نسبه منه وفيه وجه أنه إن كان الرجوع إلى انتسابه بسبب إلحاق القائف بهما جميعاً لم يقبل انتسابه إلى غيرهما والصحيح الأول وإذا انتسب إلى أحدهما لفقد القائف ثم وجد عرضناه عليه فإن ألحقه بالثاني قدمنا قوله على الانتساب لأنه حجة أو حكم وقال أبو إسحاق يقدم الانتساب قال وعلى هذا فمتى ألحقه القائف بأحدهما فللآخر أن ينازعه ويقول يترك حتى يبلغ فينتسب ولو ألحقه القائف بأحدهما وأقام الآخر بينة قدمت البينة لأنها حجة في كل خصومة وقيل لا يغير ما حكمنا به ولا يعمل بالبينة‏.‏

فرع ادعت امرأتان نسب لقيط أو مجهول غيره ولا بينة وقبلنا استلحاق المرأة ففي عرض الولد معهما على القائف وجهان أحدهما المنع والأصح المنصوص العرض لأنه حكم أو حجة فأشبه البينة فإذا ألحقه بإحداهما وهي ذات زوج لحق زوجها أيضاً كما قامت البينة وقيل لا يلحقه وهو ضعيف‏.‏

فعلى هذا تسقطان أيضاً هنا على الصحيح ويرجع إلى قول القائف وقيل لا تسقطان وترجح إحداهما بقول القائف ولا يختلف المقصود على الوجهين والقول الثاني تستعملان بالوقف أو القسمة أو القرعة فيه ثلاثة أقوال معروفة ولا يجيء هنا الوقف للإضرار بالطفل ولا القسمة فلا مجال لها في النسب ولا تجيء القرعة أيضاً على الأصح وقول الاكثرين لأنها لا تدخل النسب وأثبتها الشيخ أبو حامد ولو اختص أحدهما باليد لم ترجح بينته بها وفي الإفصاح للمسعودي وأمالي أبي الفرج الزاز أنه لو أقام أحدهما بينة بأنه في يده من سنة والثاني بينة أنه في يده من شهر وتنازعا في نسبه فصاحب السنة مقدم لكن هذا كلام غير مهذب فإن ثبوت اليد لا يقتضي ثبوت النسب وإن فرض تعرض البينتين لنفس النسب فلا مجال للتقدم والتأخر فيه وإن شهدتا على الاستلحاق فيبنى على أن الاستلحاق من شخص هل يمنع غيره من الاستلحاق بعد وقد سبق بيانه‏.‏

فرع ادعاه امرأتان وأقامتا بينتين قال الشافعي رضي الله عنه أريته القائف معهما فبأيتهما ألحقه لحقها ولحق زوجها فمن الأصحاب من قال هذا تفريع على قول الاستعمال وترجيح بقول القائف كما يرجح في الأملاك بالقرعة وهذا يوافق ما سبق عن الشيخ أبي حامد وعلى هذا يلحق الزوج قطعاً لأن الحكم بالبينة ومنهم من قال هذا جواب على قول التساقط وكأنه لا بينة فيرجع إلى القائف وعلى هذا ففي لحوقه بالزوج الخلاف السابق‏.‏

فرع ألحقه القائف بأحدهما ثم بالآخر لم ينقل إليه إذا الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد‏.‏

فرع وصف أحد المتداعيين أثر جراحة أو نحوه أو بظهره أو بعض أعضائه الباطنة وأصاب لا يقدم‏.‏

 فصل تنازعا في الالتقاط

وولاية الحفظ والتعهد فإن تنازعا عند الأخذ أو قبله فقد سبق بيانه وإن قال كل واحد أنا الملتقط فلي حفظه فإن اختص بيد وقال الآخر أخذه مني فالقول قول صاحب اليد مع يمينه فإن أقاما بينتين قدمت بينة صاحب اليد وإن لم يكن في يد واحد منهما فهو كما لو وجداه معاً وتشاحا في حفظه فيجعله الحاكم عند من يراه منهما أو من غيرهما وإن كان في يدهما فإن حلفا أو نكلا فحكمه كما ذكرنا إذا ازدحما على الأخذ معاً وهما متساويا الحال وإن حلف أحدهما فقط خص به ولو أقام كل واحد بينة وهو في يدهما أو لا في يد واحد منهما فإن كانتا مطلقتين أو مؤرختين بتاريخ واحد أو إحداهما مؤرخة والأخرى مطلقة فهما متعارضتان فإن قلنا بالتساقط فكأنه لا بينة وإن قلنا بالاستعمال فلا يجيء الوقف ولا القسمة وتجيء القرعة فيسلم لمن خرجت قرعته وإن قيدتا بتاريخين مختلفين قدم السابق بخلاف المال فإنه لا يقدم فيه بسبق التاريخ على الأظهر لأن الأموال تنتقل والملتقط لا ينتزع منه ما دامت الأهلية فإذا ثبت السبق لزم استمراره هكذا فرق الأصحاب قال أبو الفرج الزاز هذا إذا قلنا من التقط اللقيط ثم نبذه لا يسقط حقه فإن أسقطناه فهو على القولين في الأموال لأنه ربما نبذه الأول فالتقطه غيره وهذا حسن ويتفرع على تقديم البينة المصرحة بالسبق ما إذا كان اللقيط في يد أحدهما وأقام من في يده البينة وأقام الآخر بينة أنه كان في يده وانتزعه منه صاحب اليد فتقدم بينة مدعي الانتزاع لإثباتها السبق‏.‏

الحكم الرابع الحرية والرق وللقيط في ذلك أربعة أحوال‏.‏

الأول أن لا يقر على نفسه بالرق ولا يدعي رقه أحد فيحكم بحريته لأن ظاهر حاله الحرية ولأن غالب الناس أحرار هذا هو المذهب وقد سبق أن من الأصحاب من يتوقف في إسلامه قال الإمام وذلك التردد يجري هنا وأولى لقوة الإسلام واقتضائه الاستتباع للوالد والسابي بخلاف الحرية ثم ذكر الإمام تفصيلا متوسطاً فقال يجزم بالحرية ما لم ينته الأمر إلى إلزام الغير شيئاً فإن انتهى ترددنا إن لم يعترف الملتزم بحريته فنحكم له بالملك فيما نصادفه في يده جزماً وإذا أتلفه متلف أخذنا منه الضمان وصرفناه إليه لأن المال المعصوم مضمون على المتلف فليس التضمين بالحرية وميراثه لبيت المال قطعاً وأرش جنايته الخطأ في بيت المال قطعاً قال الإمام ويحتمل أن يخرج على التردد المذكور لأن مال بيت المال لا يبذل إلا عن تحقق ولو قتل اللقيط فقد ذكرنا في وجوب القصاص خلافاً وينضم إليه التردد في الحرية فمن لا يجزم القول بإسلامه وحريته لا يوجب القصاص على الحر المسلم بقتله ويوجبه على الرقيق الكافر ومن يجزم بهما يخرج وجوب القصاص بكل حال على قولين بناء على أنه ليس له وارث معين الأظهر وجوبه وإذا قتل خطأ فالواجب الدية على الصحيح أخذاً بظاهر الحديث وأقل الأمرين من الدية والقيمة في الثاني بناء على أن الحرية غير متيقنة قال الإمام وقياس هذا أن نوجب الأقل من قيمته عبداً ودية مجوسي لإمكان الحمل على التمجس وقد يرتب القصاص على الدية فيقال إن لم نوجب الدية فالقصاص أولى وإلا فوجهان‏.‏

الحال الثاني أن يدعي شخص رقه ولا بينة ومن ادعى رق صغير لا تتيقن حريته سمعت دعواه لإمكانها فإن لم يكن في يده لم يقبل قوله إلا ببينة لأن الظاهر الحرية فلا تترك إلا بحجة بخلاف النسب فإن في قبوله مصلحة للصبي وثبوت حق له وإن كان في يده وقد عرفنا استنادها إلى التقاطه فقولان أحدهما يحكم له بالرق كيد غير الملتقط وكما لو التقط مالا وادعاه ولا منازع يقبل قوله ويجوز شراؤه منه وأظهرهما لا يقبل إلا ببينة لأن الأصل الحرية ويخالف المال فإنه مملوك وليس في دعواه تغيير صفة له واللقيط حر ظاهراً وفي دعواه تغيير صفة وإن لم يعرف استنادها إلى الالتقاط حكم لصاحبها بالرق الذي يدعيه على الصحيح الذي قطع به الجمهور لأن الظاهر ممن في يده يتصرف فيه تصرف المالكين ولا معارض له ولا سبب يحال عليه أنه ملكه وسواء كان الصغير مميزاً أو غيره مقراً أو منكراً على الأصح والثاني إن كان مميزاً منكراً احتاج المدعي إلى البينة فعلى الأصح يحلف المدعي واليمين واجبة على الأصح المنصوص وقيل مستحبة ثم إذا بلغ الصبي وأقر بالرق لغير صاحب اليد لم يقبل وإن قال أنا حر لم يقبل أيضاً على الأصح إلا أن يقيم بينة بالحرية ولكن له تحليف السيد قاله البغوي والثاني يقبل قاله أبو علي الثقفي‏.‏

فرع رأى صغيراً في يد إنسان يأمره وينهاه ويستخدمه هل له أن يشهد له بالملك قال أبو علي الطبري فيه وجهان وقال غيره إن سمعه يقول هو عبدي أو سمع الناس يقولون إنه عبده شهد له بالملك وإلا فلا‏.‏

قلت هذا أصح والله أعلم‏.‏

صغيرة في يد رجل يدعي نكاحها فبلغت وأنكرت يقبل قولها وعلى المدعي البينة وهل يحكم في صغرها بالنكاح قال ابن الحداد نعم كالرق والأصح المنع وفرق الأصحاب بأن اليد في الجملة دالة على الملك ويجوز أن يولد وهو مملوك والنكاح طارئ فيحتاج إلى البينة‏.‏

الحال الثالث أن يدعي رقه مدع ويقيم عليه بينة حيث يحتاج مدعي الرق إلى بينة كما فصلناه وهل يكفي إقامة البينة على الرق أو الملك مطلقاً قولان أحدهما نعم كما لو شهد بملك دار أو ثوب وغيرهما وهذا اختيار المزني وهو نصه في الدعاوى وفي القديم والثاني لا لاحتمال اعتماد الشاهد ظاهر اليد ويكون يد التقاط وإذا احتمل ذلك مع أن اللقيط محكوم بحريته بظاهر الدار لم يزل ذلك إلا بيقين وأمر الرق خطر وهذا نصه هنا وهو الأصح عند الإمام والبغوي والروياني وآخرين ورجح ابن كج وأبو الفرج الزاز الأول ويؤيده أن من الأصحاب من قطع به وحمل نصه هنا على الاحتياط ولأن البينة بمطلق الملك ليست بأقل من دعوى غير الملتقط رق الصغير في يده‏.‏

قلت كل من الترجيحين ظاهر وقد رجح الرافعي في المحرر الثاني والله أعلم‏.‏

ويجري القولان سواء كان المدعي هو الملتقط أو غيره هكذا ذكره الجمهور وذكر الإمام كلاماً يتخرج منه ومما ذكره غيره قول أن البينة المطلقة تكفي في غير الملتقط ولا تكفي فيه والمذهب أنه لا فرق وإذا قلنا لم يكتف بالبينة المطلقة شرطنا تعرض الشهود لسبب الملك من الإرث أو الثراء أو الإتهاب ونحوها ومن الأسباب أن يشهدوا أن أمته ولدته مملوكاً له فإن اقتصروا على أن أمته ولدته أو أنه ولد أمته فطريقان قال الجمهور قولان أظهرهما يكفي والثاني لا وقيل يكفي قطعاً وهو نصه هنا وإن شهدوا أنه ملكه ولدته مملوكته قال البغوي يكفي قطعاً وإن شهدوا بأن أمته ولدته في ملكه قال الأصحاب يكفي قطعاً وقال الإمام لا يكتفى به تفريعاً على وجوب التعرض لسبب الملك فقد تلد في ملكه حراً بالشبهة وفي نكاح الغرور وقد تلد مملوكاً لغيره بأن يوصي بحملها وتكون الرقبة للوارث وهذا حق ويشبه أن لا يكون فيه خلاف ويكون قولهم في ملكه مصروفاً إلى المولود كقولك ولدته في مشيمة لا إلى الولادة ولا إلى الوالدة وحينئذ يكون قولهم ولدته مملوكاً له ويكفي المدعي في دعواه قوله هو ملكي وإنما يشترط ذكر السبب إن شرطناه في صيغة الشهود‏.‏

فرع تقبل هذه الشهادة من رجل وامرأتين على القولين لأن الغرض إثبات الملك وإذا اكتفينا بالشهادة على أنه ولدته أمته قبل من أربع نسوة أيضاً لأنها شهادة على الولادة ثم يثبت الملك في ضمنها كثبوت النسب في ضمن الشهادة على الولادة ولو شهدن أنه ملكه ولدته أمته قال القاضي حسين ثبت الملك والولادة وذكر الملك لا يمنع ثبوت الولادة ثم يثبت الملك ضمناً لا بتصريحهن‏.‏

فرع لو شهدت البينة لمدعي الرق باليد قال في المهذب إن كان المدعي الملتقط لم يحكم له وإن كان غيره فقولان والأصح ما ذكره صاحب الشامل وغيره أن المدعي إذا أقام البينة أنه كان في يده قبل التقاط الملتقط قبلت وثبتت يده ثم يصدق في دعوى الرق لما سبق أن صاحب اليد على الصغير إذا لم يعرف أن يده عن التقاط يصدق في دعوى الرق وبمثله قطع البغوي فيما إذا أقام الملتقط بينة أنه كان في يده قبل إن التقطه لكن نقل ابن كج في هذه الصورة عن النص أنه لا يرق حتى يقيم البينة على سبب الملك‏.‏

الحال الرابع أن يقر على نفسه بالرق وهو بالغ عاقل فينظر إن كذبه المقر له لم يثبت الرق فلو عاد بعد ذلك فصدقه لم يلتفت إليه لأنه لما كذبه ثبتت حريته بالأصل فلا يعود رقيقاً وإن صدقه نظر إن لم يسبق الإقرار ما يناقضه قبل على المشهور كسائر الاقارير وفي قول حكاه صاحب التقريب لا يقبل لأنه محكوم بحريته بالدار فلا ينقض كالمحكوم بإسلامه بالدار لو أفصح بالكفر لا ينقض ما حكمنا به في قول بل يجعل مرتداً وإن سبقه ما يناقضه ففيه صور‏.‏

إحداها إذا أقر بالحرية بعد البلوغ ثم أقر بالرق لا يقبل على المذهب وبه قطع الأصحاب ونقل الثانية إذا أقر بالرق لزيد فكذبه ثم أقر لعمرو لم يقبل على المذهب والمنصوص والذي قطع به الجمهور بل يكون حراً وعن ابن سريج قبوله‏.‏

الثالثة إذا وجدت منه تصرفات يقتضي نفوذها الحرية كبيع ونكاح وغيرهما ثم قامت بينة برقه نقضت تصرفاته المقتضية للحرية وجعلت صادرة عن عبد لم يأذن له سيده ويسترد ما قبضه من زكاة أو ميراث وما أنفق عليه من بيت المال وتباع رقبته فيها فلو لم تقم بينة لكن أقر بالرق فإن قلنا بالقول الذي حكاه صاحب التقريب فإقراره لاغ لكن لو كان نكح فإقراره اعتراف بتحريمها فيؤاخذ به وإن قلنا بالمشهور ففيه طرق حاصلها أنه تثبت أحكام الأرقاء في المستقبل على المذهب وقال ابن سلمة قولان ثانيهما أنه يبقى على أحكام الحرية مطلقاً وقيل يبقى فيما يضر بغيره وكلاهما شاذ ضعيف وأما الماضي فيقبل إقراره فيما يضر به من التصرفات السابقة قطعاً ولا يقبل فيما يضر بغيره على الأظهر ويتفرع على القولين فروع‏.‏

أحدها إذا نكح قبل الإقرار نظر أذكر هو أم أنثى فإن كان أنثى فزوجها الحاكم على الحرية ثم أقرت بالرق فإن قبلنا الإقرار فيما يضر غيره فالنكاح فاسد ولا شيء على الزوج إن لم يدخل بها وإن دخل فعليه مهر المثل للمقر له فإن كان سلم المهر إليها استرده إن كان باقياً وإلا رجع عليها بعد العتق والأولاد منها أحرار لظنه الحرية وعلى الزوج قيمتهم للمقر له ويرجع عليها وفي الرجوع بالمهر قولان معروفان وفي العدة وجهان أصحهما يلزمها قرءان لان عدة الأمة بعد ارتفاع النكاح الصحيح قرءان ونكاح الشبهة في المحرمات كالنكاح الصحيح وبهذا قطع الشيخ أبو حامد وصاحبا المهذب والشامل والثاني لا عدة عليها إذ لا نكاح ولكن تستبرئ بقرء بسبب الوطء قال الإمام ويجب طرد هذا الخلاف في كل نكاح شبهة على أمة وإن قلنا لا يقبل الإقرار فيما يضر غيره فالكلام في أمور‏.‏

أحدها لا يحكم بانفساخ نكاحها بل يبقى كما كان قال الإمام سواء فرقنا بين الماضي والمستقبل أم لا ويصير النكاح كالمستوفى المقبوض واستدرك ابن كج فقال إن كان الزوج ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحه لأن الأولاد الذين يلدهم في المستقبل أرقاء كما سنذكره إن شاء الله تعالى فليس له الثبات عليه وهذا حسن لكن صرح ابن الصباغ بخلافه‏.‏

قلت الأصح أنه لا ينفسخ كما قال ابن الصباغ كالحر إذا وجد الطول بعد نكاح الأمة والله أعلم

ثم أطلق الأصحاب أن للزوج خيار فسخ النكاح ونص عليه في المختصر قال الشيخ أبو علي هذا إذا نكحها على أنها حرة فإن توهم الحرية ولم يجر شرطها ففيه خلاف نذكره في النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

الثاني في المهر ومتى ثبت للزوج الخيار ففسخ قبل الدخول فلا شيء عليه وإن كان بعده لزمه أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل وإن أجاز لزمه المسمى قاله البغوي فإن طلقها بعد الإجازة وقبل الدخول لزمه نصف المسمى وفيه إشكال لأن المقر له يزعم فساد النكاح فإذا لم يكن دخول وجب أن لا يطالب بشيء وقد يشعر بهذا إطلاق الغزالي‏.‏

قلت الراجح أنه لا يلزمه شيء لما ذكره والله أعلم‏.‏

فإن كان الزوج أعطاها الصداق لم يطالب به ثانياً‏.‏

الثالث أولادها فالذين حصلوا قبل الإقرار أحرار ولا يلزم للزوج قيمتهم أتحادثون بعده أرقاء لأنه وطئها عالماً برقها‏.‏

قال الإمام هذا ظاهر إن قبلنا الإقرار فيما يضر بالغير في المستقبل فإن لم نقبله فيحتمل أن يقال بحريتهم لصيانة حق الزوج كما أدمنا النكاح صيانة له ويحتمل أن يقال برقهم وهو ظاهر ما أطلقه الأصحاب لأن العلوق متوهم فلا يجعل مستحقاً بالنكاح بخلاف الوطء‏.‏

الرابع تردد الإمام في أنا إذا أدمنا النكاح تسلم إلى الزوج تسليم الإماء أم تسليم الحرائر فالظاهر الثاني وإلا لعظم الضرر على الزوج واختلت مقاصد النكاح ويؤيده قول الشافعي رضي الله عنه في المختصر لا أصدقها على فساد النكاح ولا على ما يجب عليها للزوج‏.‏

الخامس في العدة وأما عدة الطلاق فإن كان رجعياً وطلقها ثم أقرت فعليها ثلاثة أقراء وله الرجعة في جميعها لأنه ثبت ذلك بالطلاق وإن أقرت ثم طلقها فكذلك على الصحيح الذي قطع به الأكثرون لأن النكاح أثبت له الرجعة في ثلاثة أقراء والثاني تعتد بقرئين لأنه أمر يتعلق بالمستقبل كإرقاق أولادها وصححه أبو الفرج الزاز وحكاه عن ابن سريج وإن كان الطلاق بائناً فهو كالرجعي على الأصح لأن العدة فيهما لا تختلف والثاني تعتد بقرئين مطلقاً لأنها رقيقة وليست للزوج رجعة‏.‏

وأما عدة الوفاة فإنها بشهرين وخمسة أيام عدة الإماء نص عليه سواء أقرت قبل موت الزوج أو بعده في العدة لأنها حق الله تعالى فقبل في قولها انتقاضها وليس فيها إضرار بأحد وفي وجه لا يجب عليها عدة الوفاة أصلا لأنها تزعم بطلان النكاح من أصله وقد مات الزوج فعلى هذا إن جرى دخول لزمها الاستبراء قال الإمام والقول في أنه بقرء أم بقرئين على ما سبق في التفريع على القول فإن لم يجر دخول فهل تستبرئ بقرء كما لو اشتريت من امرأة أو مجبوب أم لا استبراء أصلا لانقطاع حقوق الزوج فيه احتمالان للإمام وبالثاني قطع الغزالي هذا كله إذا كان المقر أنثى فان كان ذكراً فبلغ ونكح ثم أقر بالرق فإن قبلنا إقراره مطلقاً فهذا نكاح فاسد فيفرق بينهما ولا مهر إن لم يقع دخول وإن وقع فعليه مهر المثل كذا قاله الجمهور وقال في المهذب وأبداه الإمام احتمالا أن عليه الأقل من مهر المثل والمسمى ثم متعلق الواجب ذمته أم رقبته قولان أظهرهما الأول وإن قبلنا إقراره فيما يضره دون غيره حكمنا بانفساخ النكاح ولم نقبل قوله في المهر فعليه نصف المسمى إن لم يدخل وجميعه إن دخل ويؤدي ذلك مما في يده أو من كسبه في الحال أو المستقبل فإن لم يوجد ففي ذمته إلى أن يعتق‏.‏

الفرع الثاني إذا كانت عليه ديون وقت الإقرار بالرق وفي يده أموال فإن قبلنا إقراره مطلقاً فالأموال تسلم للمقر له والديون في ذمته وإن قبلناه فيما يضره دون غيره قضينا الديون مما في يده فإن فضل من المال شيء فهو للمقر له وإن بقي من الدين شيء ففي ذمته إلى أن يعتق‏.‏

الفرع الثالث إذا باع أو اشترى بعد البلوغ ثم أقر بالرق فإن قبلنا الإقرار مطلقاً فالبيع والشراء باطلان فإن كان ما باعه باقياً في يد المشتري أخذه المقر له وإلا طالبه بقيمته والثمن إن أخذه المقر وأتلفه فهو في ذمته إلى أن يعتق وإن كان باقياً رده وما اشتراه إن كان باقياً في يده رده إلى بائعه وإلا استرد الثمن من البائع وحق البائع يتعلق بذمته وإن قلنا لا يقبل فيما يضر غيره لم نبطلهما ثم ما باعه إن لم يستوف ثمنه استوفاه المقر له وإن كان استوفاه لم يطالب المشتري ثانياً وما اشتراه إن كان وزن ثمنه فقد تم العقد وسلم المبيع للمقر له وإن لم يزن فإن كان في يده مال حين أقر بالرق وزن الثمن منه وإلا فهو كإفلاس المشتري فيرجع البائع إلى عين ماله إن كان باقياً وإلا فهو في ذمة الفرع الرابع جنى ثم أقر بالرق فإن كانت الجناية عمداً فعليه القصاص سواء كان المجني عليه حراً أو عبداً وإن كانت خطأ فإن كان في يده مال أخذ الأرش منه كذا قاله البغوي وهو خلاف قياس القولين لأن أرش الخطأ لا يتعلق بما في يد الجاني حراً كان أو عبداً وإن لم يكن في يده مال تعلق الأرش برقبته على القولين وقال القاضي أبو الطيب إن قلنا لا يقبل إقراره فيما يضر غيره فالأرش في بيت المال فلو زاد الأرش على قيمة الرقبة فالزيادة في بيت المال على هذا القول قطعاً‏.‏

الخامس جني عليه فقطع طرفه ثم أقر بالرق فإن كانت الجناية عمداً والجاني عبداً اقتص منه وإن كان حراً فلا قصاص ويكون كالخطأ وإن كانت خطأ فان قبلنا إقراره مطلقاً فعلى الجاني كمال قيمته إن صارت قتلا وإلا فما تقتضيه جراحة العبد وإن قبلناه فيما يضره دون غيره وكانت الجناية قطع يد فان لم يزد نصف القيمة على نصف الدية فالواجب نصف القيمة وإن زاد فهل يجب نصف الدية أم نصف القيمة وجهان أصحهما الأول هذا كله تفريع على تعلق الدية بقتل اللقيط وفيه وجه سبق أن الواجب الأقل من الدية والقيمة وذلك الوجه مطرد في الطرف‏.‏

فرع لا فرق في جميع ما ذكرناه بين أن يقر بالرق ابتداء وبين أن يدعي رقه شخص فيصدقه فلو ادعى رجل رقه فأنكره ثم أقر له ففي قبوله وجهان لأنه بالإنكار لزمه أحكام الأحرار‏.‏

قلت ينبغي أن يفصل فإن قال لست بعبد لم يقبل إقراره بعده وإن قال لست بعبد لك فالأصح القبول إذ لا يلزم من هذه الصيغة الحرية والله أعلم‏.‏

فرع ادعى مدع رقه فأنكر ولا بينة فإن قبلنا إقراره بالرق فله تحليفه وإلا فلا إلا إذا جعلنا اليمين مع النكول كالبينة فله التحليف‏.‏

 فصل إذا قذف لقيطاً صغيراً عزر

وإن كان بالغاً حد إن اعترف بحريته فإن ادعى رقه فقال المقذوف بل أنا حر فالقول قول المقذوف على الأظهر وقيل قطعاً ويجري الطريقان فيما لو قطع حر طرفه وادعى رقه وقال بل أنا حر وقيل يجب القصاص قطعاً لأن الحد يغني عنه التعزير لاشتراكهما في الزجر فإن لم نوجب القصاص أوجبنا الدية في اليدين ونصفها في إحداهما على الأصح وعلى الثاني القيمة أو نصفها ولو قذف اللقيط واعترف بأنه حر حد حد الأحرار وإن ادعى أنه رقيق وصدقه المقذوف حد حد العبيد وإن كذبه فأي الحدين يحد قولان بناء على إقراره إن قبلناه مطلقاً فحد العبيد وإن منعناه فيما يضر غيره فحد الأحرار وحكى في المعتمد وجهاً أنه إن أقر لمعين قبل إقراره وحد حد العبيد وإن لم يعين حد حد الأحرار‏.‏